
المغربيةتيفي24 إبراهيم مهدوب.
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعينالسيد الرئيس الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية نيابة عن السيد المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛السيد مدير الشرطة القضائية بالمديرية العامة للأمن الوطنيالسيد ممثل القيادة العليا للدرك الملكي؛السادة المسؤولون بالمجلس الأعلى للسلطة وبرئاسة النيابة العامة؛السادة المسؤولون القضائيون السيدات والسادة القضاة؛السيدات والسادة ضباط الشرطة القضائيةحضرات السيدات والسادة كل باسمه وصفته والاحترام والتقدير الواجب لشخصه.يطيب لي بداية ان أرحب بكم جميعا في افتتاح أشغال هذه الدورات التكوينية التخصصية التي تنظم بشراكة بين رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، كما أود أن أعبر لكم عن خالص شكري لكل من ساهم في التهيئ لها، والشكر موصول للسادة الخبراء المكونين على سخائهم في مشاطرتنا معارفهم و تقاسم خبراتهم الغنية، وأخص بالذكر هنا خبراء كل من المجلس الأعلى للحسابات ، والمفتشية العامة للإدارة الترابية، والمفتشية العامة للمالية، والوكالة القضائية للمملكة، والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها والمختبر العمومي للتجارب والدراسات.

حضرات السيدات والسادة.تعتبر مهمة حماية المال العام من المهام الجسيمة التي تتطلب اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات سواء التشريعية منها أو القضائية والتي تهدف بالأساس إلى صون حقوق المجتمع، وتخليق الحياة العامة من خلال ترسيخ قيم النزاهة والشفافية وتعزيز ثقة المواطن في المؤسسات العمومية، ومن هذا المنطلق فإن الجرائم التي تمس المال العام لا تقتصر آثارها على الخسائر المادية المحضة فحسب، إنما تتجاوزها إلى أبعد من ذلك، حيث تمتد لِتُقَوِّضَ أسس التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي.
وفي هذا السياق يأتي إطلاق هذا البرنامج التكويني التخصصي لفائدة السادة القضاة وضباط الشرطة القضائية، قصد تطوير مهاراتهم وتعزيز قدراتهم، إيمانا منا بأن التكوين المستمر والتخصصي هو خيار استراتيجي وحتمي ينبغي التمسك به وإعطاؤه الأولوية من أجل مواكبة المستجدات القانونية والواقعية ذات الصلة بالموضوع، وتمكين أجهزة العدالة الجنائية من الكفايات اللازمة للتعامل مع هذا النوع من الإجرام ومواجهته والتصدي له، خاصة أمام تطور وتعقيد آليات وأساليب عمليات اختلاس وتبديد الأموال العامة وما يستتبع ذلك من جرائم أخرى أكثر خطورة، لاسيما ما يرتبط بجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.كما يأتي هذا التكوين اهتداءً بالتوجيهات الملكية السامية التي ما فتئ جلالة الملك نصره الله يؤكد من خلالها على الاهتمام الجيد بالتكوين، والتي عبّر عنها في العديد من خطاباته السامية، من بينها خطاب جلالته بمناسبة افتتاح السنة القضائية بتاريخ 29 يناير 2003 بمدينة أكادير، والذي جاء فيه ” إن تأهيل العدالة رهين بالتكوين الجيد للقضاة …” إنتهى النطق الملكي السامي.

حضرات السيدات والسادة،يأتي هذا البرنامج التكويني المتخصص بعد عملية تشخيص دقيقة لواقع العمل بأقسام الجرائم المالية وبعد الاطلاع على كيفية تدبير الأبحاث القضائية، والوقوف على مجموعة من الإشكالات والصعوبات الفنية والتقنية لدى الفاعلين والمكلفين بالدراسة والبحث والبت في هذا النوع من القضايا، حيث اتضح أن الحاجة أصبحت ملحة لتعزيز قدرات السادة القضاة وضباط الشرطة القضائية والتركيز بشكل أساسي على محاور تقنية تشكل جوهر عملهم في مكافحة الجرائم المالية، خاصة وأن آخر تكوين تخصصي استفادوا منه كان خلال سنة 2020، أي منذ أكثر من خمس سنوات، وهي مدة طويلة بالنظر إلى الدينامية والحركية الطبيعية التي تعرفها وضعياتهم المهنية، مما يؤدي حتمًا إلى تكليف قضاة وضباط جدد بمهام أخرى، وهو ما يجعل من واجبنا الحرص على تمكينهم من التكوين والتأطير اللازمين حتى يتسنى لهم تجديد معارفهم القانونية والعلمية، والاطلاع على آخر المستجدات في مجال مكافحة الجرائم المالية وتعزيز الشفافية وحماية المال العام.وفي هذا الإطار ، قمنا بتسطير برنامج تكويني متكامل يتضمن ثلاث حلقات تمتد على مدى ثلاثة أشهر (أكتوبر، نونبر، ودجنبر)، كما أننا بصدد إعداد برنامج تكويني آخر خاص بسنة 2026.
كما حرصنا على ألا يقتصر هذا التكوين على القضاة العاملين بأقسام الجرائم المالية فقط، بل تم تعميمه ليشمل كافة محاكم المملكة، من خلال اعتماد تقنية التناظر المرئي عن بُعد، حيث يتابعنا في هذه الأثناء مجموعة من قضاة الحكم والنيابة العامة من مختلف محاكم المملكة، وهي آلية من شأنها توسيع دائرة الاستفادة وتكريس مبدأ نقل الكفاءات بما ينسجم مع الدينامية المتجددة للوضعية المهنية للسادة القضاة.
حضرات السيدات والسادةإن رئاسة النيابة العامة، وعيا منها بأهمية التكوين التخصصي والمستمر، تضع على عاتقها مسؤولية دعم كل المبادرات الرامية إلى تعزيز قدرات السادة القضاة وضباط الشرطة القضائية لتجاوز كافة الصعوبات والإشكالات التي تعترض عملهم في مواجهة هذا النوع من الإجرام الخطير، فالتكوين المستمر يعتبر منهجا لا غنى عنه لتعزيز دقة البحث والتحقيق والبت في القضايا، فجرائم الأموال تتطلب من أجهزة العدالة الجنائية فهما عميقا للأنظمة المالية والمحاسبية وقدرة على تحليل البيانات المالية المعقدة، وإتقانا لتقنيات التتبع الرقمي لهذه التحويلات وكشف الأشخاص المتورطين, ولا يمكن لهذه المهارات أن تتقوى إلا من خلال تكوين تقني عميق ومستمر، كما تتطلب من أجهزة العدالة الجنائية التعامل يوميا مع ملفات وقضايا مالية غاية في التعقيد، مما يفرض عليهم الإلمام بمجموعة من الأدوات المعرفية والتقنية تمكنهم من تحليل وتفكيك شبكات الفساد المالي و فهم آليات التمويه التي قد تُسْتَعمَلُ في ارتكابها، وتقدير حجم الأضرار التي لحقت المال العام.

ويبقى هذا التكوين من الآليات الأساسية بالنظر لما يتمتع به السادة المؤطرون من خبرة ميدانية غنية وتجارب مهمة.
حضرات السيدات والسادةإن تنظيم مثل هذه الدورات التكوينية تخلق لغة مشتركة وتعاونا بناء بين جميع الفاعلين في مجال مكافحة الجرائم المالية من قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق والحكم وضباط الشرطة القضائية، وهي فرصة نؤكد من خلالها على أن هذا التعاون هو الغاية المنشودة لما يحققه من نتائج مهمة وينعكس بشكل إيجابي على جودة الأبحاث ، ويساهم في فهم الإشكالات التقنية المرتبطة بها وتحليل الشبكات المعقدة من الأرقام والبيانات الناتجة عنها.
في الأخير لا يسعني إلا أن أجدد الشكر لجميع السادة الخبراء مؤطري هذه الدورة التكوينية والمشاركين في أشغالها سواء بشكل حضوري أو عن بعد. وأغتنم الفرصة لأحث قضاة النيابة العامة، على مواصلة جهودهم في مجال مكافحة الفساد بما يتناسب وأولويات السياسة الجنائية، مع العمل على تسريع وتيرة إنجاز الأبحاث والمساهمة في تجهيز الملفات المعروضة على القضاء وتفعيل إجراءات البحث الخاصة والتماس الحكم بعقوبات تحقق الردع العام والخاص.
ختاما أود التأكيد على أن مهمة حماية المال العام هي مهمة صعبة، ولكنها جوهر العدالة التي نحن جميعاً مؤتمنون عليها في ظل القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة والمهابة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



















