المغربية 24TV ✍كتب إدريس احميد – صحفي وباحث في الشأن السياسي المغاربي والدولي
مع تقديرنا للآراء المتباينة بين مؤيدي النظام السوري ومعارضيه، يبقى الأهم هو النظر إلى سوريا كقضية وطنٍ وشعبٍ قبل أن تكون صراعًا على السلطة أو المواقف. فالنقاش حول الحاضر لا يكتمل من دون فهم الماضي، ولا يمكن الحكم على الدولة من دون قراءةٍ شاملة لما واجهته من تحديات داخلية وخارجية على مدى عقود.
تأتي هذه القراءة في سياق التحولات العميقة التي تمرّ بها سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث يقف السوريون اليوم على أعتاب مرحلةٍ جديدة تحمل في طياتها الأمل في التغيير، لكنها لا تخلو من مخاوف الانقسام والفوضى. فالتاريخ السوري المليء بالصراعات والرهانات الخارجية يجعل من عملية بناء دولة جديدة مهمةً شاقة تتطلب وعيًا وطنيًا جامعًا، وإرادة حقيقية تتجاوز حسابات الماضي.
لقد نجح النظام السابق في الحفاظ على ثوابتٍ قومية واضحة، وفي مقاومة مشاريع تفكيك الدولة ومصادرة قرارها الوطني، إلا أنّه فشل في بناء عقدٍ اجتماعي عادل يربط المواطن بالدولة. فبين الصمود العسكري والانغلاق السياسي، كان هناك إنسانٌ سوريٌّ يدفع الثمن، يطمح إلى الحرية والكرامة والمشاركة، لكنه وجد نفسه بين مطرقة السلطة وسندان الفوضى.
لقد عبّر كثير من السوريين الوطنيين، ممن لا يرقى الشك إلى انتمائهم، عن مآخذ جوهرية على طريقة إدارة الدولة في عهدَي حافظ وبشار الأسد، خصوصًا في ملفات حقوق الإنسان، وتداول السلطة، وإدارة الثروة، واحتكار القرار الوطني. هؤلاء لم يعارضوا وطنهم، بل حلموا بسوريا تُعيد الاعتبار لمواطنيها، وتستعيد موقعها الطبيعي بين دول الإقليم، بل وحتى أوروبا.
واليوم، بعد سقوط النظام، تبدو الأسئلة أكثر إلحاحًا من أي وقتٍ مضى:
هل سيكون القادم بديلًا أفضل أم نسخةً جديدة من الماضي؟
هل تولد سوريا الدولة، أم تتجدد سوريا الأزمة؟
في اللحظة التي يسدل فيها الستار على حقبة بشار الأسد، تدخل سوريا مرحلةً جديدة عنوانها التحوّل المجهول. فسقوط النظام لا يعني نهاية الأزمة، بل بداية اختبارٍ صعبٍ للدولة والمجتمع على حدٍّ سواء: هل تستطيع سوريا أن تبني نظامًا وطنيًا جامعًا بعد عقودٍ من الانقسام، أم ستقع في فوضى انتقالية شبيهة بما حدث في دولٍ عربية أخرى؟
إنّ سقوط النظام، أيًّا كانت ظروفه، يضع السوريين أمام تحدّي إعادة تعريف الدولة:
هل تكون دولة الانتقام أم المصالحة؟
هل يُعاد إنتاج السلطة بوجوهٍ جديدة، أم تُكتب صفحةٌ مختلفة تُكرّس حكم القانون وتوازن السلطات؟
في سوريا ما بعد الأسد، لن يكون المهم من يحكم، بل كيف يُحكم، وبأي عقدٍ اجتماعيٍّ جديدٍ تُدار العلاقة بين الشعب والدولة. فالثورة أو التغيير يفقد معناه إن لم يؤدِّ إلى إصلاحٍ حقيقي يضمن الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية.
لقد آن الأوان لأن تولد سوريا الجديدة من تجربة الألم الطويلة، لا من رماد الحرب فقط، دولةٌ تفتح نوافذها على المستقبل، وتستعيد مكانتها في محيطها العربي والدولي من خلال الاعتدال والعقلانية، لا عبر الشعارات الأيديولوجية أو الارتباطات الخارجية.
وسيبقى الأمل معقودًا على الإنسان السوري، الذي أثبت في أحلك الظروف قدرته على الصمود والتحدي، ليكون هو — لا السلطة ولا المعارضة — صانع فجر سوريا القادمة.
إنّ ما يُسمّى اليوم بـ”النظام السوري الجديد” لن يكون جديدًا حقًّا ما لم يستند إلى رؤيةٍ مختلفة للدولة والمواطن. فالتجديد لا يعني بقاء الأسماء وتبدّل الشعارات، بل يتجسّد في تحوّلٍ فعلي نحو دولة القانون والمؤسسات، واحترام الحقوق، وتكافؤ الفرص، والمساءلة.
لقد أثبتت التجربة أن القوة العسكرية وحدها لا تبني الأوطان، وأن الانتصار الحقيقي هو في إعادة بناء الثقة بين الدولة ومواطنيها. ومن دون مصالحة داخلية شجاعة، وإصلاحٍ سياسي واقتصادي عميق، ستبقى سوريا تدور في حلقةٍ من الصمود المرهق، لا من النهوض المتجدد.
إنّ مستقبل سوريا لن يُكتب بالولاء الأعمى ولا بالمعارضة العدائية، بل بالعقل الوطني الحرّ الذي يرى في الوطن بيتًا مشتركًا لا إرثًا لأحد، ولا ساحة لتصفية الحسابات. فالتاريخ لا يرحم من تجاهل دروسه، وسوريا تستحق أن تكتب تاريخها القادم بإرادة شعبها، لا بظلال ماضيها.
📌 تلخيص لأبرز نقاط المقال
✍ سوريا بعد الأسد تواجه مرحلة جديدة بين الأمل والمخاوف.
✍ سقوط النظام يفتح تحديات إعادة بناء الدولة والمجتمع.
✍ التجربة السابقة أظهرت فشل بناء عقد اجتماعي عادل.
✍ المستقبل يتطلب دولة قانون ومؤسسات واحترام الحقوق.
✍ القوة العسكرية وحدها لا تكفي، بل الثقة والمصالحة الداخلية أساسية.
✍ الإنسان السوري هو صانع فجر الدولة الجديدة




















