المغربية تيفي 24 إبراهيم مهدوب

الخريف في المغرب… مجرد اسم؟
من عاش سنوات التسعينات وبداية الألفينيات يتذكر جيداً:
أمطاراً غزيرة، عواصف رعدية، نسائم باردة، وانتعاشاً حقيقياً للحياة الفلاحية.
أما اليوم، فالمشهد مؤلم: سماء صافية، حرارة مستمرة، وغياب شبه تام للتساقطات المطرية في معظم مناطق البلاد.
مؤشرات جفاف مقلقة:
منذ بداية شتنبر، من فاس، مكناس، تاونات، الخميسات، خريبكة، الرباط، الدار البيضاء، آسفي، الصويرة، أكادير، العرائش…، سجلات الأمطار تُظهر 0 ملم.
وفي آسفي، الصويرة، اليوسفية، الفقيه بن صالح، وسيدي بنور، لا أثر لقطرة مطر منذ الربيع الماضي.
أما في بركان، الناظور، وجدة (باستثناء منطقة العروي)، وهي مناطق عُرفت تاريخياً بأمطار أكتوبر، فـالسماء جافة بشكل مقلق.
وفي الجنوب، تارودانت، طاطا، وزاكورة تعاني من جفاف متواصل منذ شهور طويلة.
حتى الأطلس المتوسط – إفران، خنيفرة، الحاجب – الذي كان رمزاً للرطوبة والخضرة، يدخل اليوم دائرة القلق، رغم بعض التساقطات المحدودة في ميدلت وبولمان.
مقارنة تثير القلق:
– أكتوبر 1996: أكثر من 100 ملم في أغلب المدن المغربية.
– 2008: أكادير شهدت عاصفة خريفية تاريخية.
– 2010: فاس والرباط تساقطت بهما أكثر من 120 ملم في أسبوع واحد.
– 2014: خريبكة وسطات عرفتا فيضانات محلية منذ أكتوبر.
أما اليوم؟ صمت الغيوم وقلق يزداد يوماً بعد يوم.
الرسالة واضحة:
إن المناخ المغربي يتغير بعمق. أصبح الخريف جافاً، متقلباً، وفاقداً لمعالمه القديمة.
وللتكيف وتعزيز الصمود، يحتاج المغرب إلى نموذج جديد للحكامة في مجالات الماء والمناخ والفلاحة والمالية والطاقة:
– مواصلة سياسات العرض (السدود، تحويل المياه، تحلية مياه البحر)، مع الاعتراف بتكاليفها الاقتصادية والبيئية المتزايدة.
– إعادة التفكير في النموذج الفلاحي بعمق، عبر نشر ومناقشة وتطبيق فعّال للاستراتيجية الوطنية منخفضة الكربون وخطة الانتقال الطاقي المستدام.
– بناء سياسة وطنية للنجاعة المائية، تهدف إلى تقليص التبذير والتلوث، وتثمين مجهودات الفاعلين المسؤولين، وتنبيه من يواصلون الممارسات المدمرة.
– تأطير هذه الدينامية بقانون للاقتصاد الدائري، يُنصف من يوفّر الماء ويحمي البيئة ويبتكر.
– تفعيل مقاربة التدبير المندمج للموارد المائية (GIRE) محلياً، باعتماد آليات مالية عادلة ومبتكرة.
– الخروج من التدبير القطاعي المنغلق (ماء، فلاحة، تطهير…) نحو رؤية موحدة، تشاركية، ومجالية.
– تعبئة الذكاء الجماعي: العلماء، المربون، المهنيون، الإعلام، الجمعيات، الشباب، النساء، المقاولات الصغرى والمتوسطة، والمواطنون المنخرطون.
لأن صمود المغرب لا يمكن أن يقوم فقط على الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP)، بل يحتاج نموذجاً أوسع وأكثر شمولاً:
PPPSSCMCE — شراكة بين القطاع العام والخاص والعلماء والمجتمع المدني والإعلام والمواطنين والمنتخبين.
ففي مواجهة تعقيدات الواقع، إقصاء المعنيين يعني الانزلاق نحو تكنوقراطية متسلطة أو شعبوية سياسية.
إن المشاركة المواطِنة والديمقراطية التشاركية ليست خياراً، بل التزاماً دستورياً، يجب أن تُدمج في التصميم، التخطيط، التنفيذ والتقييم.
ومستقبل المغرب يتوقف على قدرته الجماعية على الإصغاء، الإشراك، والابتكار.
لكن الأهم: عامل الزمن أصبح حاسماً.
كل تأخير يُدفع ثمنه غالياً – اقتصادياً، اجتماعياً، وبيئياً.
فبعض الآثار تصبح لا رجعة فيها.
الطبيعة لا تمزح… إنها تردّ بقوة، وأحياناً تنتقم.
لذلك، يجب التسريع، التسريع، التسريع:
– تسريع الإصلاحات،
– تسريع إنجاز الأوراش،
– تسريع الانتقال نحو تدبير مستدام، عادل، ومبتكر.
الأمل ما زال قائماً:
عودة المطر ممكنة،
لكن الأهم هو قدرتنا على الاستباق، التعاون، وتحويل النماذج.
المغرب يدخل حقبة مناخية جديدة. ما زال أمامنا وقت للعمل، لكن الوقت يمر بسرعة… وكل يوم يضيع يزيد الثمن كلفة




















